سلسلة قصصية (3) أفديك! "أفديك ! أفديك يا أخي.....أفديك.. والله لم أنتبه لسؤالك! لا تؤاخذني ... أفديك!" كلمات التفدية هذه لم أسمعها من حبيب إلى حبيه، ولم أسمعها من عاشق إلى معشوقه، ولم أسمعها من صديق حميم إلى صديقه يعتذر إليه عما بدر منه، لم أقلها -أنا- إلى حبيب شغلتني شواغل صرفتني عن الانتباه إليه وإجابته عما كان يسأل، ويستفسر... قالها أحد سائقي سيارات الأجرة! نعم سائق سيارة في مواقف السيارات في حي (الشيخ عثمان) في مدينة عدن، العاصمة البحرية لليمن السعيد.. كان ذلك في شهر ربيع الأول من عام 1399هـجرية، الموافق لشهر آذار من عام 1979م. كنا مجموعة من الشباب خرجنا من مقر إقامتنا في مساكن خاصة بموظفي الدولة، والمدرسين من غير اليمنيين في قطاع خاص من حي (المنصورة ) بعدن؛ متجهين نحو مواقف السيارات في حي الشيخ عثمان المجاور لحي المنصورة، كان علينا أن نقطع أكثر من ميل كامل على طريق ترابي متعرج في أرض فضاء بين الحيين سيرًا على الأقدام وذلك لعدم وجود مواقف لسيارات الأجرة في المنصورة! فالانتقال مشيًا على الأقدام طريقك الوحيد للانتقال إلى أي حي من أحياء عدن المترامية الأطرا
سلسلة قصصية (2) من أرض البرتقال الحزين* إلى البوسنة والهرسك في قاعة الدرس، وفي فصل من فصول المرحلة المتوسطة، وفي ثانوية من ثانويات الغوطة المحيطة بمدينة دمشق الشام، كان الجو متوترًا، أحداق الطلاب مشدودة إلى المدرس الذي يقف أمامهم، يقرأ لهم صفحة من صفحات إجرام يهود بحق الشعب العربي المسلم في فلسطين؛ هي مجموعة قصص جمعها مؤلفها من عمق المأساة، من ألسنة الثكالى، وأنين الأيامى، من الشيوخ الذين روعتهم المذبحة، وشتتهم الهجمة الصهيونية على الشعب الآمن في فلسطين. قصص تحكي المأساة: الذبح، والإجرام، الترويع والتخويف، القتل والتشريد والإبعاد .. كان أسلوب الكاتب صادقًا مؤثرًا، تعمَّقت المأساة في نفسه؛ فكتب حروفها بالدموع وبالدماء.. وعندما كان المدرس ينقلها إلى طلابه الفتية في حصة المطالعة، كان يعكس عليها هو الآخر المرارة والألم، ويضفي على كلماتها مشاهد المأساة مجسَّمَة؛ بحركاته، بصوته المتهدج، بنظرات عينيه الحانقة حينًا، والمنكسرة حينًا آخر. كان عنوان القصة المقررة في ذلك اليوم (دير ياسين)، ويكفي أن تنطق بهذا الاسم، أو تسمعه لتتصور مذبحة من أبشع